ظاهرة العنف بدأ العنف منذ نشأة البشريّة، وكانت الحادثةُ الأولى التي دشّنت العنف وأظهرته للوجود حادثة قتل هابيل ابن آدم عليه السّلامُ أخيه قابيل نتيجةً للحسد، ثمّ شهدت البشريّةُ بعدها حوادث عديدة اتّسمت بالعنف استجابةً لانفعالات الغضب، أو طمعاً في السيطرة وإظهار القوّة والتّسلُّط، حتّى أصبح العنفُ ظاهرةً بشريّةً على مستوى الأفراد والجماعات، وانعكس ذلك على السلوك البشريّ ككل، ليصبح من سماتها وخصائصها وطباعها التي تطبّعت بها وأصبحت ملازمةً لها.[١] تُشكّلُ ظاهرة العنف تحدّياً عالميّاً يستوجب الاهتمام والدّراسة وأخذها على محمل الجد، إذ يتسبّبُ العنفُ بشتّى أنواعه وألوانه بوفاة ما يزيدُ عن مليون نسمةٍ في جميع أنحاء العالم، وحسب منظّمة الصحّة العالميّة فإنّ العدد يزيدُ عن مليون وأربعمئة ألف نسمةٍ سنوياً، بالإضافة إلى تعداد مزيدٍ من الإصابات والإعاقات والمعاناة المُصاحبة لهذه الظّاهرة، وتتنوّعُ معاناةُ من يتعرّضون للعنف ممن يبقون على قيد الحياة بين الإصابات الجسديّة، والمشكلات الجنسيّة، والآثار النفسيّة، والمشكلات الإنجابيّة، فيما تتحمّلُ الدُّول أعباءً إضافيّةً تتمثّلُ في التّبعات الاقتصاديّة الباهظة المُتمثّلة في تكاليف الرّعاية الصحيّة للمعنّفين، وتكاليف إنفاذ القوانين، والأضرار النّاجمة عن فقدان الإنتاجيّة.[٢] تعريف العنف لغةً واصطلاحاً يُعرّفُ العنف لغةً بأنّه الشدّةُ والقسوة، يُقال: عنُف بولده، أي: لامهُ بشدّةٍ بُغية إصلاحه وردعه، وعنّف بمعنى لام بقسوةٍ وشدّة وعامل بشدّةٍ بغية الزّجر والإصلاح والرّدع، والعُنفُ بضمّ العين والفاء تُفيدُ الشدّة وهي ضدّ الرّفق، وجمعُها عُنُفٌ،[٣] أمّا تعريف العنف في الاصطلاح ففيه إجماعٌ على الشدّة والقسوة ونزع الرّفق، ويُعرفُ بأنّه كل تصرُّفٍ يُقصد به إلحاق الأذى بالآخرين، أو يكون الأذى أحد نواتجه، وكُلُّ ما يُلحق الأذى بالآخرين سواءً أكان ذلك الأذى جسمياً أم نفسياً أم إهانة واستهزاء أم تهكُّماً وسخرية أم فرض رأيٍ وتسلُّطاً وإظهار قوة أم إسماع كلماتٍ بذيئةٍ أو خادشة أو مؤلمةٍ فهو شكلٌ من أشكال العنف.[٤] كما يُعرف العنف بأنّه أي سُلوكٍ يتضمّنُ تهديداً أو استعمالاً مُتعمّداً للقوّة الجسديّة ضدّ الآخر مهما كانت صفتهُ سواءً كان فرداً أو طائفةً أو جماعة، وقد ينتُجُ عن هذا السلوك أو الممارسة قتلٌ أو صدمةٌ نفسيّة أو حرمانٌ أو تأخُّرٌ في النُّمو.[٥] تعريف العنف المدرسي يرتبطُ مفهومُ العنف المدرسي بمجموعةٍ من الأجزاء المُترابطة والمتكاملة التي تعتمدُ على عدّة أطرٍ تربويّةٍ ونظريّةٍ حدّدها التربويون والسُّلوكيون في استعراضهم للمصطلح، ويمكنُ النّظرُ إلى العنف المدرسيّ بكونه إظهار العداوة والنيّة بالإيذاء داخل الوسط المدرسي أو الوسط المحيط بالمدرسة، وما يلي ذلك العدوانُ أو النيّة من سلوكاتٍ تُسبّب الأذى الماديّ أو الجسدي أو النّفسي بالأشخاص المُعنّفين، وقد ينشأ العنفُ المدرسيّ بأحد محورين: عموديٌّ يبديه المعلّمُ نحو طلّابه أو العكس، وأفقيٌّ ينشأ بين الطلّاب أنفسهم.[٦][٧] واتّصف العنف المدرسي بسماتٍ عديدة تبعاً للتعريفات التي ضمّنها التربويون والسلوكيون للمفهوم، ويمكنُ استعراض بعضُ هذه السّمات بناءً على التعريفات الموضّحة لها فيما يلي:[٧] تعريف دوبايكي: يُعرّف دوبايكي العنف المدرسي بأنّه تسلسلٌ يبدأ بضعف وازع الحياء واحترام الذات يُنتج سلوكاتٍ تخريبيّة أو أنماطاً من التهديد والعراك، وربّما قد تؤدي إلى القتل ليعكس جانباً من انحطاط البيئة التربويّة وأجزائها. تعريف تبداني خديجة: فيما عرّف خديجة وآخرون العنف المدرسيّ بأنّه أحد مظاهر الشذوذ المدرسي الناتج من عدم التكيُّف في بيئة المدرسة، وتنتج عنه سلوكاتٌ تسلُّطيُّة تتمثّل بتعدّي أحد مكوّنات البيئة المدرسيّة من العناصر البشريّة على العناصر الأخرى الحيّة أو الماديّة أو الممتلكات. تعريف العريني: ويرى العريني أنّ العنف المدرسي مجموعةٌ من السُّلوكات والتصرّفات التي تصدر عن تلميذٍ لتحقيق مصلحةٍ أو بهدف إلحاق الأذى بأحد زملائه أو معلميه أو بيئته المدرسيّة أو الممتلكات الماديّة. ويمكن إجمالُ جميع هذه التعريفات بتعريفٍ شمولي للعنف المدرسي بأنّه أي سلوك يصدر عن تلميذٍ داخل الوسط المدرسي أو البيئة التربوية بهدف إلحاق الأذى بأحد زملائه، أو معلميه، أو ممتلكات المؤسسة التربوية، عبر استخدام القوة البدنيّة، أو التسلُّط بصورةٍ مباشرة، أو غير مباشرة بدافعٍ فردي أو جماعي.[٧] صور العنف المدرسي تتنوّع صور العنف المدرسي وأشكاله في أنماطٍ مختلفةٍ من الشدّة والأذى منها:[٨] العقاب البدني: إذ يسعى بعض المعلمين إلى استخدام سلطتهم وإنفاذ أحكامهم بإيقاع العقوبة البدنيّة بحقّ الطلبة لتقصيرهم في أمر دراسي أو تربوي أو لفضّ النزاعات أو لغيرها من الأسباب. العنف اللفظي: يستخدمُ المعلمون أحياناً أسلوب التوبيخ والإهانة لزجر الطلبة وردعهم، أو تأنيبهم وحثهم على الاهتمام بالبيئة التربويّة، كما يُمكن أن يصدر الأذى اللفظي بين المعلمين أنفسهم، أو الطلاب أنفسهم نتيجة خلافاتٍ تقع بين هذه الأطراف. التمرُّد على المؤسسة التربويّة: ويظهر التمرد في سلوك الأفراد ضمن نطاق المؤسسة التربوية رفضاً لأنظمة المؤسسة التربوية، وتعنتاً في إنفاذها. المشاجرات والعنف الطلابي. تخريب الممتلكات والاعتداء على المرافق. الاعتداءات الجنسيّة. الترويج للتدخين والمخدرات والمؤثرات العقلية. أسباب العنف المدرسي أمّا أسباب العنف المدرسي فمتنوعة تتمثل في:[٨] ضعف البيئة المدرسية وافتقارها للمرافق المناسبة. عدم إدراك حاجات الطلبة ومستلزماتهم وضعف القدرة على تلبيتها في المؤسسة التربوية. تدني الخبرة في الاستراتيجيات والأساليب الحديثة للتواصل مع الطلبة واللجوء إلى العنف لفض الخلافات بينهم، أو إيقاع العقوبات بحقهم. ضعف شخصيّة المعلم ومزاجيته، وما يترتب عليه من سوء اتصالٍ وتعامل مع المراحل العمريّة والاحتياجات الطلابية. ضعف الخبرة والدراية بأساليب تحديد الفروق الفردية والتعامل معها. علاج العنف المدرسي يجدر بالمؤسسة التربوية تبني منهجٍ أخلاقي شامل يتّقي العنف قبل وقوعه في البيئة التربوية، أو يقلل من تكراره ويحدُّ منه بصورة لا تجعلهُ يظهرُ كظاهرةٍ داخل أسوار المدرسة أو في الوسط المحيط، ويبدأ ذلك بتنمية القيم الدينيّة عند الطلبة وتعزيز الأخلاق وغرس المبادئ الصالحة، وإثارة قيم الإيثار والتّسامح والرّفق في نفوس الطلبة، وإرشادهم إلى السلوكيات الصحيحة والمهارات المستحبّة في الحوار، وحلّ المشكلات والتواصل، كما يجدر بالمؤسسة التربوية تركيز الانتباه وتعزيز الرقابة لسلوكيات الطلبة وانفعالاتهم وأنماط تفاعلاتهم فيما بينهم وبين البيئة التربوية ككل.
0 التعليقات:
إرسال تعليق